كتب الدكتور فيصل الغويين
بدت شخصية التل وطاقمه الحكومي أكثر شعبية؛ وذلك لأن المواطنين بدأوا يدركون حقيقة أنهم أمام فريق وزاري مختلف، وعلى درجة من النظافة، وأنهم كانوا عند وعدهم.
قدم وصفي البيان الوزاري إلى مجلس النواب، تحت شعار “ التعبئة القومية في سبيل استرداد فلسطين”، حيث فازت الحكومة بثقة 40 صوتا، ومعارضة 18، علما أن الحكومة وافقت على تعديل دستوري ينص على استقالة الحكومة التي تحل المجلس.
ركز المعارضون للحكومة على موقفه من اليمن، وضرورة إطلاق حرية الصحافة، وتحسين العلاقات مع الدول العربية، وبتبادل التمثيل الدبلوماسي مع دول المعسكر الشرقي. وشكل نواب الضفة الغربية غالبية المعارضة، في حين صوت نواب الضفة الشرقية لصالح الحكومة، باستثناء خمسة نواب، كان ثلاثة منهم ينتمون إلى اربد، المنطقة الجغرافية للرئيس.
قدم وصفي مخطط فلسطين إلى مجلس النواب، وهو المخطط الذي بدئ العمل به في عهد الحكومة الأولى.
تناول المخطط مختلف جوانب القضية الفلسطينية إعدادا وتحريرا وتمثيلا، وهدف إلى إنهاء الوجود السياسي لإسرائيل، واستعادة الأرض المحتلة، نتيجة لجهد عربي عسكري وسياسي. وأكد المخطط أن المستقبل الدستوري للشعب الفلسطيني يقرره الفلسطينيون بعد أن تحل قضيتهم.
أعلن وصفي التل أمام مجلس النواب بأن حكومته سوف تعيد النظر في القانون الذي ينظم تشكيل الأحزاب. وتضمن مشروع القانون، شروط الترخيص والانتساب والتمويل، على أن لا يكون الحزب فرعا لأحزاب تعمل خارج الأردن.
لم تدم حكومة وصفي التل الثانية طويلا، ولذلك لم يفعل قانون تشكل الأحزاب السياسية في الأردن، وبقيت الممارسة الحزبية ممنوعة.
تميزت سلوكيات وصفي التل بالانسجام والتوافق سواء أكان على رأس سلم الحكم، أم خارجه، فكان يتعامل مع مراجعي الرئاسة، كل يوم ثلاثاء بكل بساطة وعفوية. وحدد قواعد لأي إجراء تتخذه الرئاسة، وحالات لاستقبال المراجعين، وهي المراجعة بشأن أي إجحاف بسبب إجراء حكومي، أو تأخير في معاملة رسمية، وسوء استعمال القواعد المقررة في التعيينات، وتقديم المقترحات، حول الشؤون العامة للدولة.
كانت نظرته إلى الحكم، أنه ليس وظيفة، والنجاح فيه ليس مجرد مصادفة، إنه قناعة وإيمان وخطة وعلم وعقل وحزم وعمل.
السياسة الخارجية
في 8 شباط 1963 وقع انقلاب عسكري قاده البعثيون في العراق، أطاح بحكم عبد الكريم قاسم، واعتبر وصفي التل الانقلاب حركة داخلية تخص العراقيين وحدهم، وتم الاعتراف بالحكم الجديد بعد يومين من قيامه.
وفي 8 آذار 1963 وقع انقلاب في سورية، قاده لؤي الأتاسي، أطاح بالدكتور ناظم القدسي. واعترف الأردن بالنظام الجديد، في اليوم التالي، معتبرا الانقلاب حركة داخلية.
وبعد أيام على الانقلابين، جرت مباحثات ثلاثية مصرية – سورية – عراقية، حيث تم التوقيع بعد شهر على بيان ثلاثي ينص على قيام اتحاد فدرالي من الدول الثلاث، على أن تكون القاهرة عاصمة الاتحاد. وفي محاولة للتقارب مع مصر، قدم وصفي التل استقالة حكومته في 27 آذار 1963، نظرا للخلافات التي .كانت قائمة بين الأردن ومصر.
وكرؤية تقييمية لدور وصفي التل السياسي، يمكن القول أنه نجح في تنفيذ ما يمكن عمله في ظل الإمكانات المتاحة، وبمتابعة شخصية منه، واستحق أن يكون رئيسا للحكومة اسما وفعلا، وحاز على دعم وثقة الملك حسين، ونتيجة لذلك، إضافة إلى شجاعته وعقليته المفكرة، كان من أكثر رؤساء الوزارات الأردنية فاعلية وتأثيرا. من خلال تكوين طاقم حكومي أعطى الأردن شكلا جديدا في الأداء السياسي…. يتبع