هل نجحنا في تقديم كتب رياضيات مطورة؟

هل نجحنا في تقديم كتب رياضيات مطورة؟

د. ذوقان عبيدات

تناولت هذه المقالة تحليلًا لكتاب في الرياضيات المطوّرة للصف الرابع- الجزء الأول- تم اختياره عشوائيّا، هناك معايير للتحليل مثل:

هل نجحت الكتب في ربط الرياضيات بالحياة؟

وهل جذبت الطلبة لحب الرياضيات؟

وهل أطلقت عقول الطلبة نحو المستقبل؟

هذه المعايير ليست معايير تعجيزية اخترعتها من عندي! بل هي من الإطار العام للمناهج الذي يحوي فلسفة التطوير التربوي لجميع المواد الدراسية!

لم يتناول التحليل قدرة الكتب على تعريف الطلبة بالمفاهيم الرياضية، ولا مهاراتها في العمليات الحسابية؛ لأن كل كتب الدنيا تعمل ذلك، بما فيها كتبنا القديمة التي صرفنا مبالغ

عديدة للتخلص منها!!

إذن، لم أتناول موضوع: هل نجحت الكتب في إكساب الطلبة المهارات الرياضية الحسابية، والعددية والهندسية؛ لأنها أهداف بديهية، أو الحدود الدنيا للأهداف!

فكل كتاب في الدنيا ينقل المعرفة المعلوماتية!

1- المستقبل في كتاب الرياضيات

إن المسألة الرياضية يجب أن تكون مثيرة للطلبة حتى يتحمسّوا لحلها! ومن شروط الإثارة:

-أن تكون موضوعاتها مرتبطة بحياة الطلبة.

– ألا تتحدث عن مشكلة تمّت منذ زمان، وجاء الدور لنتحدث عن نتائجها! المطلوب مسائل لقضايا مستقبلية!

– أن تدمج الطالب في المسألة وكأنه طرف فيها! مسألة يكون الطالب طرفًا فيها، فليس مهمة الطالب حساب كم ربح التاجر، وكم أنتج مصنع رُبّ البندورة!

المطلوب مسألة تخصه مثل: كم تكلّفه الرحلة؟ وكم يكلّفه التعليم… الخ؟

فماذا حققت كتبنا من ذلك؟

2- موضوعات المسائل ومحتوياتها:

كانت أبرز المحتويات ما يأتي:

مساحة تونس، أسعار الشقق، أسعار وأرباح مصنع البندورة، وسكان محافظة سنة 2015، وعدد المعتمرين في إحدى السنوات، وعدد مراجعي العيادات الصحية، وعدد حضور

جماهير كرة القدم سنة 1934و1950، وإنتاج الفوسفات سنة 2018، وأرباح شركة كبرى في أحد الشهور،

والفرق بين سعر السيّارة الجديدة والمستعملة، وعدد تذاكر المسرح المبيعة، وزجاجات العصير، وبيع الشيكولاتة، وادخّر عمّار، وما باعته ديانا من قوالب، ومصنع البسكويت!

هذه موضوعات المسائل،

وهي للحقيقة مضامين عادية قد تهم بعض الطلبة مع أني أشُك، لكن ما مدى أهميتها في جذب الطلبة؟ وما مدى ارتباطها بحاجات الطلبة وبيئاتهم؟ وما مدى صلتها بالتكنولوجيا؟

لم نشاهد مسألة تتحدث عن وسائط الاتصال مثل:

عدد الإشاعات المتداولة، عدّد رسائل الواتس آب، أو سرعة شبكة الانترنت، أو الحسابات في مجال الألعاب الرياضية، وعدد جماهير الكرة الأردنية، وكلفة ما يرتديه من ملابس، وما

يجب أن يدّخره للحياة الجامعية، وكلفة المشروع الذي سينشئه في المستقبل!

إذن، يمكن القول: فقدنا فرصة للحديث عن قضايا يعيشها الطلبة! وهذه القضايا هي التي تثير حماسة الطفل لحلها والاهتمام بنتائجها. فالحديث عن أرباح التاجر وإنتاج الفوسفات

لا يدمج الطالب في المسألة، ولا يثير حماسته لحلها! وكثيرًا ما علق الطلبة: أنا مالي ومالي التاجر؟ شو دخلني بمصنع البندورة؟

صحيح أنها معلومات ولكنها معلومات ميتة يمكن للطلبة الحصول على ما هو أحدث منها عبر جوجل! وبكل حُسن نيّة أقول: هذه مسائل قد تهمّ المؤلفين فقط، وأن المؤلفين لم

يفكّروا بالطلبة!! ولذلك هي كتب مؤلفين وفنيّي الرياضيات وليست كتب طلاب!

3- المسائل بين المستقبل والماضي

بكل بساطة أقول: جميع المسائل في الكتاب المذكور وسائر الكتب تناقش أوضاعا وأحداثًا تمّت في الماضي، فالمسائل إذن ليست مما يثير الطلبة ولا ترتبط بحاجاتهم، ولم

تربطهم بالمستقبل ومن أمثلة ذلك:

– زرع البستاني، باع مهند، باعت ناديا، وزع تاجر، صرفت سعاد، اشترت تالا، قدمت بقالة، أنتج مصنع،.. إلخ

إذن، نحن ننقل الطلبة لحل أحداث وقضايا وقعت في الماضي، في حين كان يمكن تحويلها إلى المستقبل دون جهد وكلفة مادية أونفسية. أقدم بعض الأمثلة:

كم شجرة يحتاج المزارع لجعل حقله ينتج ….، وكيف تساعده على ذلك؟

مثال آخر: كلفة الشقَّة 70 ألف دينار، ماذا تقترح لخفضها إلى خمسين ألف دينار، علمًا بأن كلفة المتر المربع الواحد تسعون دينارًا؟

إننا هنا حافظنا عل العمليات الحسابية، وأضفنا قيمتين هما:

– إدماج الطالب في المسألة، حيث صار معنيًّا بالموضوع.

-وجهنا المسألة وتفكير الطلبة نحو المستقبل.

إن هذين المعيارين قد يحدثان التحول المطلوب في فهم المسألة وحب المادة!

4- الجندر في الكتاب

من منطلقات الإطار العام للمناهج محاربة كل أشكال التمييز بين الجنسين، ومن معلوماتي الدقيقة أن مؤلفي كتب الرياضيات تلقوا تدريبات كافية على محاربة التمييز الكمي

والنوعي في الكتب، ومع ذلك أقدم أمثلة على التمييز القائم على النوع! كما وردت في الكتاب:

أولًّا- لم يقدم الكتاب أي اسم مذكر يقوم بعملية غير نمطية:

مهند يبيع تذاكر المسرح، والمزارع هو من يزرع، والتاجر هو من يربح

والخباز يخبز، وحسام وعادل ومصعب وعماد يرمون الرمح. فلم يقم أي رجل بعمل منزلي مثلًا!

ثانيًا- لم تقدم أي سيدة في عمل إنتاجي:

سعاد تصرف، وحنين تشكل الأزهار، وسميرة تضع أزرارًا على كل بلاطة

وتالة تشتري ألوانًا، وهيا تصنع الكعكة!

هذه أشكال من التمييز الجندري وتنميط الأدوار، وهي ضد فلسفة الوزارة، وضد فلسفة الإطار العام للمناهج، ولن أقول: من هو الشخص الذي اختاره المركز الوطني وكافأه بتمثيل

المركز في لجنة المساواة وعدم التمييز الجندري!

هذا طبعًا ما يحدث في الإدارات الأردنية!! نعم يعيّنون من لا يؤمن بالجندر

مسؤولًا عن الجندر! سلوك أردني خالص!

5- ما المطلوب؟

إن معيار الكتاب الجيد في أي مادة هو مدى قدرته على جذب الطلبة ورضاهم عن الكتاب! وقد كتبت مرارًا أن الكتاب الجيد كتاب رشيق لا يزدحم بالمادة والمعلومات، بل ينقل

الطلبة:

– من كتاب رياضيات إلى كتاب طلبة، بمعنى أنه ليس مجرد معارف حسابية وعددية، بل كتاب يرى حاجات الطالب النفسية والحياتية!

– من كتاب مكثّف يرهق المعلمين والطلبة والأهل إلى كتاب يراعي وقت الطالب والمعلم، ولا يجعلهم يلهثون وراء إكمال دروس لا يتسع لها الوقت المتاح.

– وأخيرًا كتاب يسمح للطلبة بالتفكير، وممارسة مهارات الحياة عبر مادته الدراسية!

ترى! هل ضيّعنا الفرص المتاحة؟ نعم لدينا كتب جديدة ما يزال أصحابها يتحكمون بالتعليم! ولن تتغير هذه الكتب قبل عشر سنوات على الأقل إلّا إذا حدثت معجزة!

هذا عن كتب الرياضيات فماذا عن كتب العلوم؟

تصفح ايضا

عاجل