قراءة في كلمة المتحدث الرسمي باسم داعش

قراءة في كلمة المتحدث الرسمي باسم داعش

قراءة في كلمة المتحدث الرسمي باسم داعش

أحمد كامل البحيري

بثّ تنظيم داعش كلمة للمتحدث باسمه، أبو حذيفة الأنصاري، في 4 يناير الجاري (2024)، تحت عنوان “واقتلوهم حيث

ثقفتموهم”، حيث استغرق الخطاب 33 دقيقة، وهي الرسالة الثانية للمتحدث باسم التنظيم منذ توليه المنصب في أغسطس 2023،

في أعقاب مقتل زعيم داعش الرابع أبي الحسين الحسيني القرشي. هذه الرسالة المُفاجِئة تطرح العديد من التساؤلات، لا سيما حول

دلالات التوقيت، ومسارات التحركات المحتملة التي يمكن أن يقوم بها التنظيم خلال المرحلة المقبلة.

 

دلالات رئيسية – قراءة في كلمة المتحدث

 

جاءت كلمة المتحدث الرسمي باسم تنظيم داعش، أبو حذيفة الأنصاري، المُفاجِئة في توقيت يتنامى فيه نشاط التنظيم العملياتي مرة

أخرى بشكل ملحوظ خلال الأشهر الثلاثة الماضية، في أغلب دول الارتكاز للتنظيم، وذلك بالتوازي مع دخول الحرب الإسرائيلية

على قطاع غزة شهرها الثالث، وهو ما يشير إلى أن توقيت الكلمة يمثل النقطة الأهم في الفهم والتحليل أكثر من مضمونها نفسه،

حيث يرتبط بالعديد من الأهداف والرسائل التي يحاول التنظيم تحقيقها وتوجيهها، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

 

1- محاولة إحياء التنظيم ورفع مستوى عملياته الإرهابية: جاءت الكلمة بعد ساعات من إعلان التنظيم ما أطلق عليه “غزوة

واقتلوهم حيث ثقفتموهم”، والتي بدأت بالعملية الإرهابية التي وقعت في إيران في 3 يناير الجاري، بالقرب من مسجد صاحب

الزمان في مدينة كرمان، أثناء الاحتفال بالذكرى السنوية الرابعة لمقتل القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم

سليماني، في العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في بغداد في 3 يناير 2020.

 

وقد أسفرت العملية الإرهابية التي وقعت في كرمان عن مقتل ٨٤ شخصا وإصابة العشرات، وهى العملية الثانية في إيران من قبل

تتظيم داعش، منذ تولي أبي حفص الهاشمي القرشي مسئولية التنظيم في 3 أغسطس 2023.

العملية الإرهابية في إيران

وقد تزامنت هذه العملية الإرهابية في إيران مع سلسلة من العمليات الإرهابية التي قام التنظيم بتنفيذها في أغلب مناطق ارتكازه من

شرق آسيا وصولاً إلى غرب ووسط أفريقيا، حيث وصل عدد العمليات الإرهابية التي نفذها التنظيم خلال يومي 3 و4 يناير الجاري

إلى ما يقرب من 33 عملية إرهابية، في 9 دول، وهي النسبة الأكبر من حيث تنفيذ التنظيم لعملياته الإرهابية خلال 24 ساعة منذ

عام 2022.

 

ومن هنا، جاءت كلمة المتحدث باسم التنظيم لتعلن عن بداية جديدة محتملة لاتساع نطاق عملياته الإرهابية خلال المرحلة المقبلة،

مع التأكيد على استمرار التنظيم في تنفيذ قاعدة “أولويات الاستهداف” المرتبطة بما يطلق عليه “العدو القريب”.

 

2- محاولة السيطرة على ما تبقى من أفرع تنظيم القاعدة: يشهد تنظيم القاعدة حالة من الارتباك منذ مقتل زعيمه السابق أيمن

الظواهري، في 31 يوليو 2022، وعدم الإعلان الرسمي عن قائد جديد للتنظيم.

اقرأ أيضا:

غــزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة

وقد تنامت الخلافات الداخلية خلال الفترة الأخيرة على إثر إعادة طرح تنظيم القاعدة مفهوم “العدو”، وهو ما دفع بعض أفرع

التنظيم، وخصوصاً في اليمن وسوريا، إلى إصدار كتيب حول إيران بعنوان “غزة في نظر إيران”، بقلم أواب الجنوبي، والذي

صدر في منتصف ديسمبر 2023، وشن هجوماً عنيفاً على إيران واقترب من مفهوم داعش باعتبارها “العدو القريب”.

قراءة في كلمة المتحدث

وربما يقدم ذلك تفسيراً آخر حول أسباب قيام تنظيم داعش في هذا التوقيت بتنفيذ العملية الإرهابية في إيران، إذ يسعى إلى استقطاب

العناصر القاعدية، وخصوصاً في سوريا واليمن، عبر استغلال حالة التناقض الفكري والعملياتي بين عناصر التنظيم القاعدي، حيث

تعتبر قضية “العدو القريب والعدو البعيد” إحدى أبرز نقاط الخلاف بين تنظيم القاعدة وداعش، بل تعتبر النقطة الأبرز في انفصال

تنظيم داعش عن تنظيم القاعدة في عام 2014.

تعزيز القدرة على استقطاب العناصر القاعدية

ومن هنا، جاءت كلمة المتحدث باسم تنظيم داعش في هذا التوقيت كمحاولة لتعزيز القدرة على استقطاب العناصر القاعدية التي

أصدرت هذه الرسالة على خلاف مع تكتيك تنظيم القاعدة المستمر منذ أسامة بن لادن في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان في عام

2001. 

 

3- محاولة إحياء الخلافة المكانية واستغلال الانشغال الدولي بحروب أخرى: منذ أن فقد داعش آخر جزء جغرافي فيما يسمى

“الخلافة المكانية” بعد الهزيمة التي تعرض لها في الباغوز السورية في مارس 2019، يسعى التنظيم إلى إعادة السيطرة مره

أخرى على بعض المناطق الجغرافية في سوريا؛ إذ تمكن التنظيم خلال الأشهر الثلاثة الماضية من إعادة السيطرة على بعض

مناطق البادية وإعادة نشاطه في مناطق الجزيرة وغرب وشرق نهر الفرات، مستغلاً انشغال المجتمع الدولي بأزمات وحروب

أخرى، على نحو أسفر عن تراجع ملحوظ في جهود مكافحة الإرهاب من قبل التحالف الدولي لمكافحة داعش في العراق وسوريا

خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مع شبه توقف لفاعلية القوات الروسية الداعمة في عمليات مكافحة الإرهاب بالتنسيق مع النظام

السوري منذ بدء الحرب الروسية- الأوكرانية.

 

هذا الفراغ في مكافحة الإرهاب ضد التنظيم في سوريا دفع داعش خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ومنذ تولي أبي حفص الهاشمي

القرشي زعامة التنظيم، إلى إعادة محاولة إحياء “الخلافة المكانية” بسوريا، وجاءت الكلمة الأخيرة للمتحدث باسم تنظيم داعش بعد

أيام من تمكن التنظيم من السيطرة على بعض المناطق بالقرب من مقر “الخلافة المكانية” المنهارة في عام 2019.

استغلال الحرب الإسرائيلية على غزة

4- استغلال الحرب الإسرائيلية على غزة: ركزت كلمة أبو حذيفة الأنصاري على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة في محاولة

لمزيد من الاستقطاب والتجنيد، وهى المحاولة الرابعة منذ 7 أكتوبر 2023، حيث استغل التنظيم الحرب وقام بنشر أربع رسائل

مباشرة حول غزة عبر الافتتاحية الرئيسية لصحيفة “النبأ” الداعشية. الرسالة الأولى كانت في 19 أكتوبر 2023 تحت عنوان

“خطوات عملية لقتال اليهود”، والأمر نفسه بالنسبة للإصدارات الثلاثة التالية وآخرها في العدد رقم 417 الصادر يوم الخميس 16

نوفمبر الماضي، بعنوان “قاتلوا الذين يلونكم من الكفار”، وهو التناول الأقرب لوضع استراتيجية للتنظيم للتعامل مع الحرب وليس

طرح وجهة نظر تجاه الأحداث، من حيث شكل العمليات الإرهابية القادمة للتنظيم، والتي ظهرت ملامحها خلال الأشهر الثلاثة

الأخيرة وتنامت خلال الأيام الماضية منذ تنفيذ العملية الإرهابية في إيران.

 

5- استراتيجية جديدة للتنظيم للعمليات الإرهابية: كشف المتحدث باسم تنظيم داعش في كلمته عن تصور محدد لتحركات التنظيم

الإرهابية، عبر ما يمكن أن يطلق عليه “استراتيجية جديدة”، وهى أقرب إلى استراتيجية “الفترات الابتدائية”، أو ما يمكن أن يسمى

“فترات ما قبل التمكين”، والتي تعتمد بصورة أكبر على “الذئاب المنفردة” أو بشكل أدق “الذئاب الغاضبة”، ويمكن أن يفسر لجوء

التنظيم إلى هذا التكتيك في ضوء رغبته في إثبات الوجود، مع التحايل على الحصار الأمني  عبر الاعتماد على ما يوفره هذا

التكتيك من صعوبة في تعقب العمليات الإرهابية أو التنبؤ بحدوثها.

 

في المجمل، تأتي كلمة المتحدث باسم تنظيم داعش، أبو حذيفة الأنصاري، كمحاولة جديدة للتنظيم لتوظيف الأحداث المتسارعة على

المستويين الإقليمي والدولي، وعلى رأسها الحرب الإسرائيلية على غزة، في سياق سعيه لإعادة التموضع والارتكاز مرة أخرى،

وإحياء نشاطه بعد عامين من التراجع داخل دول الارتكاز القديمة (سوريا والعراق)، مع مزيد من الاستقطابات الجديدة والتجنيد.

 

باحث متخصص في شئون الإرهاب – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

مركز الناطور للدراسات والابحاث

قراءة في كلمة المتحدث

تصفح ايضا

عاجل