الطليعة نيوز
قدمت آيرين خان، مقررة حقوق الإنسان للحق في حرية الرأي والتعبير، تقريرها مؤخرا حول هذا الموضوع للجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة، والتقت صباح الجمعة مع الصحافيين في مقر المنظمة الدولية لتؤكد من جديد أن أي صراع في الآونة الأخيرة لم يهدد حرية التعبير، مثلما يجري الآن في الحرب في غزة.
وقالت آيرين خان، والمكلفة بتعزيز وحماية هذا الحق على مستوى العالم: “نادرًا ما رأينا- وهذا ما يزعجني- أنماطًا واسعة النطاق من القيود غير القانونية والتمييزية وغير المتناسبة من قبل الدول والجهات الفاعلة الخاصة على حرية التعبير كما نراه في النزاع في غزة”.
وأضافت أن التقرير يوثق القيود الشديدة على انتهاكات حرية التعبير الناشئة عن الصراع، بما في ذلك قتل الصحافيين في غزة، وسحق الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم، وإسكات الفنانين والعلماء.
ولفتت خان الانتباه إلى الهجمات الشديدة على وسائل الإعلام في غزة، ولكن أيضًا في الضفة الغربية والقدس الشرقية. وأشارت إلى القتل المستهدف والاحتجاز التعسفي للصحافيين، والتدمير الشامل للمرافق والمعدات الصحافية في غزة، ومنع الوصول إلى وسائل الإعلام الدولية، وحظر قناة الجزيرة الإخبارية، وتشديد الرقابة داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقالت إن هذه الإجراءات “تبدو وكأنها تشير إلى استراتيجية للسلطات الإسرائيلية لإسكات الصحافة الناقدة وعرقلة توثيق الجرائم الدولية المحتملة”. وعلى الرغم من أن القتل المتعمد لأي صحافي يعد جريمة حرب، إلا أنه “لم يتم التحقيق بشكل صحيح في أي جريمة قتل لصحافي في العام الماضي أو في السنوات السابقة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو مقاضاة مرتكبيها أو معاقبتهم”، مشيرة إلى أن “الإفلات من العقاب في إسرائيل أمر مطلق”.
وردا على أسئلة “القدس العربي” حول ازدواجية المعايير الغربية عندما يتعلق الأمر بفلسطين بينما “يصدعون رؤوسنا إذا قامت مظاهرة صغيرة في هونغ كونغ” قالت خان: “لقد أصدرنا بيانا قويا حول مسألة ازدواجية المعايير لأن أهمية قوانين حقوق الإنسان في عالميتها، فعندما تمارس الدول التي وقعت اتفاقيات حقوق الإنسان ازدواجية المعايير، وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واضح يكون الأمر مثيرا للإزعاج”.
وأكدت خان أن المقارنة بين ردود فعل هذه الدول على ما جرى في أوكرانيا وما يجري في غزة، سواء ما يتعلق بمعاملة الصحافيين أو من حيث الضرر الذي لحق بالمدنيين، نرى شيئا مزعجا ومدمرا للثقة بقوانين حقوق الإنسان ومنظومة حقوق الإنسان. فالناس يلاحظون ويسألون نفس الأسئلة وهذا التصرف لا يؤدي إلى حلول بل يعمق المأساة والحقد والكراهية. وقالت النزاعات لا تحل نفسها بنفسها وهذه المواقف المزدوجة تعمق النزاعات لا تحلها.
وحول حرية التعبير في العالم العربي والسماح للشعوب بالتعبير عن تضامنها مع أهالي غزة، قالت مقررة حقوق الإنسان: “نعم لقد غطى التقرير مواقف هذه الدول وأشار إلى انتهاكها للحق في التعبير في دول مثل مصر والأردن وبعض دول شمال أفريقيا، قد تكون الانتهاكات ليست بنفس الحدة والانتشار لكنها شيء مؤسف وبعض هذه الدول تمنع تداول مثل هذه المعلومات. “إنه لشيء مؤسف أن نرى مثل هذه الدول لا تسمح بإظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني. فسواء في الغرب أو في العالم العربي لقد تم التضييق على حرية التعبير للتضامن مع مأساة الشعب الفلسطيني في غزة تحت حجة معاداة السامية في الدول الغربية أو دعم الإرهاب، وهي نفس حجة بعض الدول العربية التي تعتبر المظاهرات دعما لحركة إرهابية هي حماس. وهذا يعني شيطنة الفلسطينيين الذين يتظاهرون ضد الاحتلال. إن هناك نوعا من العنصرية عندما يتم شيطنة الفلسطينيين بهذه الطريقة وهم يعانون تحت احتلال طويل”.
وردا على سؤال آخر لـ”القدس العربي” حول صمت اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) أو عدم القيام بدورها في هذا المجال وهو حماية الصحافيين، قالت السيدة خان، إن ولاية اليونسكو تتضمن متابعة استهداف الصحافيين منذ 30 سنة. ومن جهة حماية الصحافيين فهذه مسؤولية الأمم المتحدة وأضغط باتجاه أن تقوم كل أجهزة الأمم المتحدة بدورها في حماية الصحافيين.
وقد أثرت هذه المسألة في اللجنة الثالثة قائلا “أين هم أبطال حرية الرأي والتعبير، كيف يصمتون على إغلاق قناة الجزيرة وقتل الصحافيين في غزة”.
وأكدت أنها وجدت تعاطفا كبيرا مع ما طرحته والجميع أشار إلى اعتراضه على إغلاق قناة الجزيرة. كما أيد الكثيرون الاقتراح الذي قدمته بالضغط على مجلس الأمن لاعتماد قرار لحماية الصحافيين بحيث يتضمن آلية المساءلة أيضا عندما لا تحترم الدول هذا القرار. لافتة إلى أنها لن تتوقف هنا بل ستدفع باتجاه اعتماد هذا القرار. “فالأمور تدهورت كثيرا، فالإعلام عندما يتم إقصاؤه من الميدان ننتهي بقصص مشوهة وحقائق مزورة”.
وحول اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، وكيف تابعت الموضوع، أكدت خان أنها تابعت الموضوع منذ بدايته ووجدت أن موقف الولايات المتحدة معيب لأن شيرين تحمل الجنسية الأمريكية مع الفلسطينية، لكن الولايات المتحدة قبلت ألا تضغط باتجاه متابعة الموضوع علما أن كل الدلائل تشير إلى أنها قتلت برصاصة من جندي إسرائيلي. “لم يحاكم أحد ولم يخضع للمساءلة أحد. والأسوأ من ذلك، كما حدثني مدير مكتب الجزيرة في فلسطين المحتلة (وليد العمري) الذي حضر إلى جنيف للإدلاء بشهادته، قال إن الجيش الإسرائيلي عندما اقتحم مكتب الجزيرة في رام الله مؤخرا قاموا بتمزيق صورها وملصقاتها. فالثأر من شيرين لم يقتصر على عقابها أيام كانت حية بل بعد وفاتها وقد وجدت هذا أمرا غير محترم وغير لائق ويجب أن يتم إشهار هذا الموقف”.
وكشف تقرير خان المقدم للجنة الثالثة أن إسكات الأصوات المعارضة وتهميشها في الأوساط الأكاديمية والفنية كان مصاحبًا أيضًا للحرب.
وأفادت خان أن “بعض أفضل المؤسسات الأكاديمية في العالم فشلت في ضمان الحماية المتساوية لجميع أعضاء مجتمعاتها الأكاديمية، سواء كانوا يهودًا أو فلسطينيين أو إسرائيليين أو عربًا أو مسلمين أو غير ذلك. ونتيجة لذلك، تضاءل التبادل الفكري وأصبحت الحرية الفكرية خاضعة للرقابة في العديد من المؤسسات في الغرب”.
وقالت: “تلقيت شكاوى من علماء حول التأثير المخيف على أبحاثهم الأكاديمية، وعلى خطابهم السياسي المتعلق بالوضع الفلسطيني أو السياسات الإسرائيلية”. وفي الوقت نفسه، تعرض الفنانون والكتاب للتهديد أو العزل أو الاستبعاد من الأحداث لأنهم عبروا عن آرائهم بشأن الصراع في غزة أو انتقدوا إسرائيل.
كما تناول التقرير أيضًا منصات التواصل الاجتماعي، التي كانت بمثابة شريان حياة للتواصل من وإلى غزة ولكنها كانت أيضًا “ناقلات رئيسية” للتضليل والمعلومات الخاطئة وخطاب الكراهية، فبينما يتم استهداف العرب والإسرائيليين اليهود والفلسطينيين جميعًا عبر الإنترنت، قالت: “أظهرت معظم الشركات تحيزًا في ردودها، بقدر ما أستطيع أن أرى.. كونها أكثر تساهلاً فيما يتعلق بإسرائيل وأكثر تقييدًا فيما يتعلق بالتعبير الفلسطيني”.
وقد وجهت السيدة خان نقدا لاذعا لمواقف ألمانيا التي تخلط بين حق التعبير والرأي ومعاداة السامية. وقالت إن معاداة السامية أمر مرفوض ويجب ألا يخلط بموضوع انتقاد حركة سياسية وهي الصهيونية، متسائلة “كيف يتم تحريف المعايير القانونية الدولية وتفسيرها بشكل خاطئ لخلط انتقاد إسرائيل والصهيونية مع معاداة السامية، وهو ما يحدث على الإنترنت وخارجه”.
وأقرت خان بأن هذه قضية مثيرة للجدل “لكنني أتمسك بموقفي بشأن هذا”. وأوضحت أن معاداة السامية عنصرية، أي أنها أسوأ أشكال الكراهية العنصرية والدينية ضد اليهود ويجب إدانتها بشكل لا لبس فيه، لكن خلط الخطاب المحمي، وهو النقد السياسي، مع الخطاب المحظور، وهو خطاب الكراهية، يقوض مكافحة معاداة السامية، كما أنه يخيف حرية التعبير.
ويذكر أن المقررون الخاصون مثل خان هم جزء مما يعرف بالإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان، وهي أكبر هيئة من الخبراء المستقلين في نظام حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. يتم تعيينهم من قبل المجلس لمراقبة وتقديم تقارير عن مواقف أو قضايا موضوعية محددة في بلدان معينة. يعمل هؤلاء الخبراء على أساس تطوعي؛ فهم ليسوا موظفين في الأمم المتحدة ولا يتلقون أجرًا مقابل عملهم. وهم مستقلون عن أي حكومة أو منظمة ويخدمون بصفتهم الفردية.
القدس العربي-عبد الحميد صيام
مقررة حقوق الإنسان لحرية