طلعت شناعة
لم يعد من الممكن ـ بالنسبة لي على الأقل ـ وتحديدا في هذه الحقبة من الزمن ، تحمّل الجلوس مع شخص أو أشخاص « نكدين»، من أصحاب فلسفة « النكد للنكد « على غرار « الفن للفن ».
فلا المجال ولا العمر ولا الخبرة تسمح بمصادقة واحد لا يرى من الدنيا الا الحزن والغمّ (عمّال على بطّال). فأنا مش ناقص همّ. عندي أقساط بيت ـ مدى الحياة ـ، وعندي فواتير كهرباء وماء وانترنت وتلفون أرضي وتلفونات خلوية وعندي مليون « شغلة « لو فكّرت بربعها « متت من زمان».
لكن وكما يقولون « تجري الرياح بما لا تشتهي السيارة « لأنه ما في سُفن عندي.
تتفاءل بشخص ما ويرجوك «ستين» مرّة لكي تزوره وتشرب معه كبّاية شاي. وحتى لا يتّهمك بالتعالي عليه، توافق. وتحمل « أرجيلتك « وتذهب لقضاء ساعة زمان معه ولكي يصير بينكم « شاي وأرجيلة «.
ما أن تفتح فمك لكي تجامله، يبدأ بسؤالك عن راتبك. وطبعا هذه « مصيبة « بحد ذاتها . ثم يسألك عن « عمرك «. تخصم عشر سنوات وتقول له « الأعمار بيد الله «. يأتي بالشاي، وقبل ان يحرّك السكّر في الكاسة ، يقول لك « لا تكثّر سكر ، الناس الكبار في السن ، مش لازم يكثّروا سكر ولا ملح.
ويضيف: شايفك ساكت، وبعدين شو اللي انت حاطه برقبتك،.
تقول له : هذه « صورة جيفارا». طبعا تكتشف أنه لا يعرفه. ويسترسل: طيب هاي ضرورية تحطها برقبتك. إنت زلمة كبير مفروض تكبر على شغلات الاولاد.
تحاول ان تبحث عن « شيء « مشترك لكي تستمر الجلسة . تسأله عن عمله. يبدأ بالشكوى . وينشغل عنك ب « اللاب توب « ـ قال يعني الاخ منهمك بالعمل.
تحاول نقل الحديث عن كرة القدم. تتفاجأ بأنه لا يحب الرياضة ـ مع انه يصغرك بعشرين عاما على الأقل. وحتى لا تلتقط أنفاسك ، يواصل نكده ومحاصرتك قائلا : معقول بتحب كرة القدم ، هاي لعبة الأولاد الصغار.!
تبتلع « ريقك» بصعوبة وتشعر أن الرجل يسعى الى تدميرك. وتنفخ في الهواء قائلا : « شو جابرني على هالعذاب».
تستأذن بالمغادرة لأنك لا تسهر وتنام مبكرا. فيقول» طيب لما تنام بدري شو بتستفيد، خليك سهران، والا صحتك تعبانة؟
تقوم وأنت تهلوس:
يا عمي أنا شكيتلك؟
إرحمني ، إطلع من راسي . زهقت . خنقتني. هوا .. هوا.. بدّي هوا نقي.!!