الأمن الغذائي والحكومة … قصة مياه البندورة وحكاية الكانتالوب !

الأمن الغذائي والحكومة … قصة مياه البندورة وحكاية الكانتالوب !

محمد أبوعريضة

أذكر أني حضرت في أحد أيام عام 2002 مؤتمر إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية 2001 – 2010، وبعد استعراض تفاصيل هذه الاستراتيجية ومشاريعها المقترحة، فتح رئيس المؤتمر م. سمير قعوار الفرصة أما الحضور للمداخلة بالأسئلة وإبداء الرأي.
كان من بين الذين قدموا مداخلات سجين اليوم باسم عوض الله، وكان حينذاك غير معروف على نطاق واسع، فقد كان مجرد مستشار. المهم أن ملخص مداخلته تتمحور حول أن: الأردن دولة غير زراعية، وينبغي أن لا نهدر المياه القليلة المتاحة على زراعة منتجات، يمكن لنا أن نستوردها بأسعار رخيصة من دول أخرى – طبعًا هو لم يُشِر إلى أن إسرائيل أحدى هذه الدول، لكن الإشارة لم تكن تخفى على اللبيب -، وضرب مثالًا على ذلك، بأن قال: يمكن لنا أن نستورد البندورة بأسعار أقل مما تكلف المزارع في الأردن، ونوفر المياه التي نروي بها البندورة لتنفيذ مشاريع سياحية!
ذكرتني هذه الحادثة، بحادثة أخرى وقعت في مصر، حينما كان وزير زراعة مصر يوسف والي “ميزار”، وكانت قد طاردت هذا الرجل إشاعة تشير إلى أنه من يهود مصر واسم عائلته “مزراحي” وليس “ميزار”. على كل حال، سواء كان يهوديًا أو مسلمًا أو مسيحيًا، فما فعله هو الأهم، وليس جذور عائلته.
تقارير مصرية كثيرة تحدثت عن تدمير يوسف والي للقطاع الزراعي، وإليكم قصة الحادثة التي أشرت إليها:
يُورد الكاتب المصري فوزي شعبان، في صحيفة الأخبار المصرية بتاريخ 20 حزيران عام 2012، تفاصيل هذه الحادثة، فيقول: في كانون الأول 2001 كنت في زيارة لواحة سيوة على الحدود مع ليبيا، ورأيت عشرات من عيون الماء الطبيعية العذبة تتفجر من الأرض دون الاستفادة منها، فسألت: لماذا لا يستفاد من هذه المياه للزراعة، قالوا زرعنا القمح، وكان مميزًا، وزارنا الرئيس مبارك سنة 1989، ورأى زراعة المحاصيل منها القمح، وسرعان ما أرسل يوسف والي لنا بأمره القاضي بإزالة القمح، ونصحنا أن نزرع “الكانتالوب” أحسن، ولا زلت لا أعرف ما هو “الكانتالوب”.
على فكرة “الكانتالوب” هو البطيخ الأصفر. إذًا يوسف والي نصح مزارعي مصر بزراعة البطيخ الأصفر بدلًا من القمح، وباسم عوض نصحنا بتحويل المياه التي نروي بها البندورة إلى الفنادق والاستراحات والكافيهات.
هي عقلية واحدة، وبغض النظر عن نظرية المؤامرة، وبعيدًا عمن يتهم المشككين بنوايا مثل يوسف والي وباسم عوض الله، بأنهم خشبيون وتهيمن عليهم وساوس نظرية المؤامرة، فإننا نحاكم هؤلاء بما يقولون وما يفعلون، وليس بنواياهم، والأمور بخواتيمها، ويكفينا أن القطاع الزراعي في الأردن وفي مصر على حد سواء، وفي دول عربية أخرى، تراجع بشكل حاد. فهل ما جرى بريء أم هو جزء من مخطط، المقصود منه ضرب القاعدة الأساسية لأي نهضة اقتصادية – الزراعة والصناعة -؟
مناسبة هذا الكلام؛ ما قاله رئيس الوزراء اليوم، وهو يرعى فعالية إطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، بأن الحكومة ستولي تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي وخطتها التنفيذية أولوية، أتساءل هنا: كيف لنا أن ننفذ استراتيجية وطنية للأمن الغذائي، ونحن ننتج أقل من 3% من احتياجاتنا من القمح؟
وهل إعداد الاستراتيجيات، وإطلاق الفعاليات، ورفع الشعارات، ومع افتراض حُسن النوايا، يكفي لتحقيق الأمن الغذائي؟
وهل الحكومة، التي تريد إيلاء الأمن الغذائي أولوية، تعرف الآتي:
1: قانون تنظيم استعمال الأراضي يعتبر الأراضي الزراعية ملكية خاصة يسمح بالبناء فيها، ويعود السماح بذلك للبلديات، وظلت الحكومة بعيدة عن هذا الأمر إلى ما قبل ثمان سنوات، حينما دخلت وزارة الزراعة على هذا الملف كمراقب فقط.
2: لماذا تمنع الحكومة البناء في الأراضي المُخصصة للتعدين، بينما تسمح بالتوسع في البناء بالأراضي القابلة لزراعة القمح؟
3: خمس جامعات “رسمية” أُنشأت في أكثر مناطق الأردن انتاجًا للقمح، هي الجامعات الأردنية واليرموك والعلوم والتكنولوجيا ومؤتة والألمانية، لماذا؟
4: مليون إنسان في الأردن يعانون سوء التغذية و165 ألف طفل أقل من 5 سنوات يعانون التقزم. وذلك وفق تقرير حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2021، الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” والصندوق الدولي للتنمية الزراعية “إيفاد” ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية.
هذا غيض من فيض.

تصفح ايضا

عاجل